[size=25]عيد الأم ، نبذة تاريخية
قال بعض الباحثين :
يزعم بعض المؤرخين أن عيد الأم كان
قد بدأ عند الإغريق في احتفالات عيد الربيع، وكانت هذه الاحتفالات مهداة
إلى الإله الأم "ريا" زوجة "كرونس" الإله الأب، وفي روما القديمة كان هناك
احتفال مشابه لهذه الاحتفالات كان لعبادة أو تبجيل "سيبل" –أم أخرى للآلهة.
وقد بدأت الأخيرة حوالي 250 سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام؛ وهذه
الاحتفالات الدينية عند الرومان كانت تسمى "هيلاريا" وتستمر لثلاثة أيام
من 15 إلى 18 مارس .
الأحد في إنجلترا
وهو يوم شبيه باحتفالات عيد الأم
الحالية، ولكنه كان يسمى أحد الأمهات أو أحد نصف الصوم، لأنه كان يُقام في
فترة الصوم الكبير عندهم، والبعض يقول إن الاحتفالات التي كانت تقام لعبادة
وتكريم "سيبل" الرومانية بُدِّلت من قبل الكنيسة باحتفالات لتوقير وتبجيل
مريم عليها السلام ، وهذه العادة بدأت بحَثِّ الأفراد على زيارة الكنيسة
التابعين لها والكنيسة الأم محمَّلين بالقرابين، وفي عام 1600 بدأ الشباب
والشابات ذوو الحرف البسيطة والخادمون في زيارة أمهاتهم في "أحد الأمهات"
مُحمَّلين بالهدايا والمأكولات، هذا عن انجلترا أما عن الولايات المتحدة
الأمريكية فكانت هناك قصة أخرى.
الولايات المتحدة
آنا.م.جارفس: (1864-1948):
هي صاحبة فكرة ومشروع جعل يوم عيد
الأم إجازة رسمية في الولايات المتحدة، فهي لم تتزوج قط وكانت شديدة
الارتباط بوالدتها، وكانت ابنه للدير، وتدرس في مدرسة الأحد التابعة
للكنيسة النظامية "أندرو" في جرافتون غرب فرجينيا، وبعد موت والدتها بسنتين
بدأت حملة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال والوزراء ورجال الكونجرس؛
لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية في البلاد، وكان لديها شعور أن الأطفال لا
يقدرون ما تفعله الأمهات خلال حياتهم، وكانت تأمل أن يزيد هذا اليوم من
إحساس الأطفال والأبناء بالأمهات والآباء، وتقوى الروابط العائلية المفقودة
البداية:
قامت الكنيسة بتكريم الآنسة آنا
جارفس في جرافتون غرب فرجينيا وفلادلفيا وبنسلفانيا في العاشر من مايو
1908، وكانت هذه بداية الاحتفال بعيد الأم في الولايات المتحدة .
وكان القرنفل من ورود والدتها
المفضلة وخصوصًا الأبيض ؛ لأنه يعبر عن الطيبة والنقاء والتحمل والذي يتميز
به حب الأم، ومع مرور الوقت أصبح القرنفل الأحمر إشارة إلى أن الأم على
قيد الحياة، والأبيض أن الأم رحلت عن الحياة .
وأول إعلان رسمي عن عيد الأم في
الولايات المتحدة كان غرب فرجينيا ولاية أوكلاهوما سنة 1910، ومع عام 1911
كانت كل الولايات المتحدة قد احتفلت بهذا اليوم، ومع هذا الوقت كانت
الاحتفالات قد دخلت كلاً من المكسيك، وكندا، والصين، واليابان، وأمريكا
اللاتينية وأفريقيا ، ثم وافق الكونجرس الأمريكي رسميًّا على الإعلان عن
الاحتفال بيوم الأم، وذلك في العاشر من مايو سنة 1913، وقد اختير يوم الأحد
الأول من شهر مايو للاحتفال بعيد الأم .
عيد الأم العربي
بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم العربي
في مصر على يد الأخوين "مصطفى وعلي أمين" مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية..
فقد وردت إلى علي أمين ذاته رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء
معاملتهم لها، وتتألم من نكرانهم للجميل.. وتصادف أن زارت إحدى الأمهات
مصطفى أمين في مكتبه.. وحكت له قصتها التي تتلخص في أنها ترمَّلت وأولادها
صغار، فلم تتزوج، وأوقفت حياتها على أولادها، تقوم بدور الأب والأم، وظلت
ترعى أولادها بكل طاقتها، حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقل كل منهم
بحياته، ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة للغاية، فكتب مصطفى
أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون
بمثابة تذكرة بفضلها، وأشارا إلى أن الغرب يفعلون ذلك، وإلى أن الإسلام يحض
على الاهتمام بالأم، فانهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض
أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام
السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة
تخصيص يوم واحد، وشارك القراء في اختيار يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو
أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة..
واحتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس سنة 1956م .. ومن مصر خرجت الفكرة إلى
البلاد العربية الأخرى .. وقد اقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية عيد
الأم بعيد الأسرة ليكون تكريمًا للأب أيضًا، لكن هذه الفكرة لم تلق قبولاً
كبيرًا، واعتبر الناس ذلك انتقاصًا من حق الأم، أو أن أصحاب فكرة عيد
الأسرة "يستكثرون" على الأم يومًا يُخصص لها.. وحتى الآن تحتفل البلاد
العربية بهذا اليوم من خلال أجهزة الإعلام المختلفة.. ويتم تكريم الأمهات
المثاليات اللواتي عشن قصص كفاح عظيمة من أجل أبنائهن في كل صعيد . انتهى
ولا عجب بعدها من معرفة أن أكثر من
يحتفل بهذه الأعياد اليهود والنصارى والمتشبهون بهم ، ويُظهرون ذلك على أنه
اهتمام بالمرأة والأم وتحتفل بعض الأندية الماسونية في العالم العربي بعيد
الأم كنوادي الروتاري والليونز .
وبالمناسبة فإن يوم عيد الأم وهو 21 مارس هو رأس السنة عند الأقباط النصارى ، وهو يوم عيد النوروز عند الأكراد .
السؤال :
عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟
الجواب :
إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع
حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير
المسلمين أيضًا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ،
والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام؛ وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى،
وعيد الأسبوع "يوم الجمعة" وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة،
وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله
سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو ردٌّ)). أي مردود عليه غير مقبول عند الله وفي لفظ ((من عمل
عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)).
وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال
والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شئ من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح
والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه
ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في
هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه،
والذي ينبغي للمسلم أيضًا ألا يكون إمَّعَةَّ يتبع كل ناعق بل ينبغي أن
يُكوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى
يكون أسوة لا متأسيًا؛ لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه كما
قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3].
والأم أحقُّ من أن يحتفى بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على
أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله
عز وجل في كل زمان ومكان.
السؤال :
هل يجوز إهداء الأم في ما يسمى بعيد الأم؟ .
الجواب :
الحمد لله وحده، - والصلاة والسلام – على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد..
من المعلوم أن الأعياد من شعائر الأديان، ومرتبطة بها
ارتباطاً واضحاً، لهذا حدد الشرع المطهر لهذه الأمة الحنيفية عيدين، هما:
الفطر والأضحى، وقد أبدلنا الله بهما عن سائر أعياد الجاهلية، كما أخبر
بذلك المصطفى – صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النسائي(1556)، وأبو
داود(1134) من حديث أنس –رضي الله عنه-، وعيد الأم هو من الأعياد الجاهلية
الحديثة التي لا يجوز بحال أن يشارك فيه المسلمون، أو يحتفلوا بها، أو
يقدموا فيها الهدايا أو الأطعمة، أو غيرها، وعلى هذا فلا يجوز تقديم
الهدايا للأم بهذه المناسبة، بل الأم في الإسلام حقها متأكد على الدوام من
البر والصلة، لكن لو وقع ذلك اتفاقاً وجهلاً بالزمن من غير قصد فلا حرج إن
شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طلموك اماه
ها أنا أمّاه أصبحت أمّا تربعت عرشي وجاورت سيّدا لي أحبّني فكنت له أمة وأحببته فكان لي عبدا ..
هاهي صغيرتك ذات الدموع اللؤلؤية
تهرم في يومها ألف مرّة ومرّة وفي عمرها الذي امتّد امتداد مملكتها الصغيرة
تحيا ألف حياة ..تكابد تعاند تحاول دائما الصمود ..
هاهي أمّاه صغيرتك تذوّقت معنى أن تكون زوجة ومعنى أن تكون ملكة لهذه المملكة ..فما وجدت أحلى ولا أجمل من أن تكون أمّا ..
فكنت أمّا ..وكنت أنت دائما معي ..
كنت معي عندما انتزعوا صغيرتك من
حضنك الدافيء وروضك العابق فلا كفّا تمسح لي دمعا ولا أنساما تزيل لي همّا
..ولا لهفة تكفّ البأس عنّي وتواري عثراتي وزلّاتي ..
كنت أمّاه معي في كل صرخة ألم كتمتها
في صدري وكبتّها في داخلي حتى حلّ بصخبه الطفولي مستأذنا بالقدوم...
بالحياة.... بأن يكون خارج أحشائي ..
كم آوجعني ..كم ....
وكم ذكرتك ..
كنت أمّاه معي كلما أقضّ مضجعي غير
عابيء بحالي عكّر عليّ صفو حياتي وأسرني بصحبته الشقيّة أينما اتجهت
..تقيّدني كفّه الصغيرة في كل آن وكل حين ..واصبح الآمر الناهي إذا بكى
أيقظنا وإذا اشتكى أربكنا وإذا جاع أقلقنا ..وإذا ضحك أسّرّنا وأسعدنا
..وإذا نام وغفا استعبدنا بهدوءه الساحر ..هكذا كان هذا الكائن الذي كنته
في يوم من الأيّام …
و…ذكرتك أمّاه ..كنت معي وذكرتك ..
وكبرت مملكتي ..واتسعت ..فمضيت أسعى
في مناكبها ..وأعمرها ..أثبّت أركانها وألفّها بأسوار منيعة خشية عليها
..كابدت أمّاه وأنا أتمزّق باشلائي التعبة لأحظى برضا هذا أو هذا أو ذاك
....ونثرت في أروقتها الحب والعطف والدفء و الحنان الذي أعطيتنيه أمّاه
يوما ..واختزنته .وكم ..وكم ذكرتك .
ذكرتك أمّاه وكنت معي في كل لحظة في كل همسة في كل قطرة دم ضخختها من سويداء قلبي لرعيتي التي استرعانيها الله كما يوما استرعاك..
ذكرتك دوما ..وأبدا ..وما هنئت بإغفاءة ولا ذقت غمضا حتى لهجت بدعاء لك
ظلموك أمّاه فقالوا اليوم عيدك...
لا تحصيك الأيام... ولا تعدّك الشهور... ولا تحيط بحنانك السنون ..
هاك أماه ..وافترشي روحي بجسدك
الطيّب ..واقبلي رأسا يطأطيء ينحني يقبّل أخمص قدمك ..يرجو عفوا رضا غفرانا
عن كل أف أو آه لفظها يوما ولو سرّا بحضرتك
عيد ام ...ام عيد قتنة
فالناس متفقون على وجوب البر بالأم
ووجوب تكريمها ورعاية حقوقها؛ لأنه أمر فطري وإن قصّر فيه بعضهم، وهذا هو
المعنى الجميل الذي من أجله يتبع كثير من الناس الغرب في الاحتفال بما
يُسمى عيد الأم.
لكن تخصيص يوم محدد في العام
للاحتفال بالأم يتعارض مع تحديد الشرع لأعياد المسلمين بعيدين لا ثالث
لهما، في الحديث: عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ
فِيهِمَا، فَقَال:َ "قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ
فِيهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْراً
مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ "، أخرجه أحمد في المسند
رقم (13164)، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4381، ولا بد من بيان لهذه
المشكلة؛ لأنها تمثل شبهة كبيرة لدى من لا يقتنعون بوصف ما يسمى بعيد الأم
بالبدعة.
موجة الاحتفالات الغربية بما يسمى: (يوم كذا) :
كثر في الغرب تخصيص أيام بعينها في السنة للاحتفال بشيء
يرغبون في تذكير المجتمع به؛ لأنهم يشعرون بأهميته، أو لأنهم يشعرون بإهمال
في حق جانب أو شخص أو فئة اجتماعية، فيبحثون عن مناسبة لتذكير المجتمع
بها، وهذا هو المنطلق والأساس لفكرة الأعياد والأيام التي كثر تخصيصها في
الغرب، مثل: يوم المرأة، وكان الاحتفال به قبل أيام، ويوم الطفل، ويوم عيد
الأم، ويوم عيد العمال... إلخ.
وهم في هذا لا ينطلقون فيما يبتدعونه من دين أو شرع، وإنما يخترعون هذه الأعياد بمحض أهوائهم ونظرتهم وحاجاتهم
الاجتماعية، فعيد العمال نابع من رغبتهم في مراعاة لحقوق
العمال وإنصافهم، وعيد المرأة؛ لأنهم يرون المرأة مسلوبة الحقوق مظلومة في
مجتمعاتهم، ويوم الطفل لأن الطفل يتعرض في الغرب لأمراض اجتماعية كثيرة،
كالضرب والاستخدام في العمل قبل بلوغه سن مناسبة، والتعدي بالسرقة والبيع
وانتهاك العرض.
وعيد الأم كذلك نبع من علل وأمراض في مجتمعات ليس لديها شرع
صحيح تقوم عليه كما في الإسلام، ففي المجتمعات الغربية قصور كبير في
علاقاتهم الاجتماعية، ولا سيما علاقة الأبناء بالأمهات، ولعلاج هذا القصور
ابتدعوا عيداً يعالجون به تقصيرهم وإهمالهم وعقوقهم، في يوم واحد في السنة،
ولتذهب الأمهات بعده إلى دار المسنين أو غيره.. وهكذا ظهرت هذه البدعة
لتلبي تلك الرغبة المحدودة.
يقال: إن فكرة الاحتفال بعيد الأم موروثة عن الإغريق، حيث
كان لهم احتفال في الربيع بآلهة تسمى الأم ريا، وكان اسم العيد (هيلا ريا)،
وللإنجليز احتفال قديم باسم (أحد الأمهات) كان يقيمون في احتفالاً لمريم
_عليها السلام_، ثم تطور إلى تقـديم الهدايا للأمهات بعد عام 1600م، وفي
الولايات المتحدة كرّمت الكنيسـة في 1908م الآنسـة "آنا جافرس" (1864م-
1948م) لجهودها في الدعوة لتكريم الأم باحتفال عام رسمي؛ لتعالج ما رأته
ظاهرة في المجتمع من إهمال لحقوق الأم وتنكّر لفضلها ومكانتها، ووافق
الكونجرس الأمريكي في عام 1913م على جعله عيداً رسمياً في مايو من كل عام،
وانتشر الاحتفال بعد ذلك في دول ومجتمعات كثيرة، واختارت كل دولة اليوم
الذي تحتفل به لهذه المناسبة.
سرطان البدع:
وانتقلت مع نزعة تقليد الغرب التي انتشرت في العالم العربي
فكرة الاحتفال، وبدأ ذلك في مصر حينما شكت امرأة للكاتبين الصحافيين مصطفى
أمين وأخيه علي عقوق أبنائها، فعرضا ذلك على القراء، واقترحا إقامة يوم
لتكريم الأم كما في كثير من دول الغرب، ووافقهما كثير من القراء، وعارضه
بعضهم. ثم عرضا على القراء اختيار اليوم، واتفقوا معهم على 21 مارس؛ لأنه
بدء الربيع ليكون مبعث البهجة والسرور، وانتشر بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى
باقي الدول العربية.
ثم توسـع الأمر بعد ذلك إلى أن أصـبح احتفالاً رسمياً له
طقوسـه ومراسـمه منذ عام 1956م، وترصـد له وسـائل الإعلام البرامج والأغاني
والأفلام وصفحات الجرائد والمجلات، ويتم إعداد حفل لاختيار الأم المثالية،
وتوسّـع الأمر فصارت المدارس تحتفل به، لكن من هي الأم التي سيكرمونها في
المدرسة؟ لما لم يجدوا أماً من النسب يحتفلون بها تكون معهم في مكان العمل
جعلوا ناظرة المدرسة هي موضع الاحتفال، وعلى مستوى كل فصل يُشجع التلاميذ
على أن يأتي كل واحد وواحدة بهدية لمدرسة الفصل باعتبارها أمه الثانية.
وهكذا تتولد البدع ويتفرع بعضها من بعض، حتى يصبح أمر
الاحتفال بالأيام وبالأشخاص ممجوجاً ثقيلاً لكثرته؛ لعدم وجود حدود تحكمه،
فما يكاد الناس يودّعون عيداً أو مولداً أو يوم ذكرى حتى يأتيهم بعد أيام
يوم احتفال مبتدع آخر، وهذه الفوضى نتيجة حتمية لكل من تخطى حدود الشرع
الحكيم.
المخالفات الشرعية في الاحتفال بعيد الأم:
المعاني الجميلة والأشياء التي تحتاج إلى تقدير كثيرة، ولا
يختلف أحد في أنها تستدعي الذكر والإشادة والاحتفال، ولكن هل يعني ذلك أن
نقوم بعمل احتفال خاص لها دون اهتمام بمراعاة حدود الإسلام وضوابطه في
الاحتفال والأعياد؟! الجواب لا؛ لأن في ديننا ضوابط وأحكاماً يجب أن نسير
عليها، والشر كل الشـر في مخالفتها، قال - _عز وجل_ : "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ
عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء
الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" [18: سورة الجاثية]، فمهما كان في هذا الاحتفال
من معان جميلة فإنها لا تُخرجه عن كونه بدعة؛ لأنه أولاً وقبل كل شيء ليس
من أمر الإسلام، قال _عليه الصلاة والسلام_: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
فهو رد" أخرجه أحمد ومسلم. وثانياً لأنه من بدع النصارى واليهود، قال شيخ
الإسلام: "وما هم عليه من الهدى والعمل هو من سبيل غير المؤمنين، والذين لا
يعلمون" (اقتضاء الصراط المستقيم، ص 16).
وقد يستنكر بعض الناس وصف الاحتفال بعيد الأم بالبدعة، وذلك
لأنهم لا يعرفون أسباب هذا الوصف، وهنا نبين أسباب وصفه بالبدعة، وأدلة
عدم جواز الاحتفال به:
أولًا: ليس هناك دليل على
تخصيص الأم باحتفال؛ لأنها قامت بتربية أولادها وتعبت في تنشئتهم، ولو كان
هذا حقاً لما تركه الرسول _صلى الله عليه وسلم_، ولبيـّنه للناس، كيف وهو
الذي عرفنا قدر الأم ومنزلتها وحقوقها.
ثانياً: ليس هناك دليل على
تخصيص يوم محدد بعينــه لهذا الاحتفال، فالإسلام وصى بتكريم الأم، ورفع من
قدرها ومكانتها، ونبه على حقوقها، ومع ذلك لم يأمر بتخصيص يوم معين
لتكريمها والاحتفال بها، عن هشام بن محمد بن سيرين قال: "أتى علي - رضي
الله عنه - بمثل النيروز، فقال: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم
النيروز. قال: فاصنعوا كل يوم نيروزاً. قال: أسامة كره - رضي الله عنه- أن
يقول النيروز"، قال البيهقي: "وفي هذا كراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله
الشرع مخصوصاً به".
ثالثاً: ليس هناك دليل على
تخصيص 21 مارس أو غيره من الأيام من كل عام للاحتفال بهذا اليوم، إنما هو
محض أهواء - كما سبق أن بينا - لا أساس لها في الشرع.
رابعاً: أن في الاحتفال بهذا
اليوم موافقة لاحتفال المجوس وغيرهم بعيد النيروز وهو عيد وثني، يحتفلون به
في 21 من شهر مارس الشمسي، وهو بدء فصل الربيع.
خامساً: أن تعظيم هذا اليوم
تحول إلى عقيدة تربت عليها أجيال حتى رأوها من واجبات البر بالأم، وهذا من
النتائج التي يُـنهى عن البدع من أجلها. والمتأمل في واقع كثير من مجتمعات
المسلمين اليوم يجد هذا الأمر واضحاً، فمن جهة الأبناء من لم يشارك في
الاحتفال بتقديم هدية ونحو ذلك نُظر إليه بعين التقصير وشعر بالذنب والإثم.
واعتقد كثير من الأمهات بوجوب تكريمهم في هذا اليوم، حتى صار كثير منهن
يحزنّ إذا لم يقدم لهن الأبناء الهدايا أو ما يعبـّر عن الاحتفال بهذا
اليوم، وقد يتسبب ذلك في حدوث بعض الإعراض والغضب من إحداهن على لم يحتفل
من أبنائها بها في هذا اليوم، وهذا من أخطر فتن الاحتفال بهذا اليوم
ومخاطره، حيث تحولت العادة إلى عبادة، وشعر الناس بالإثم في تركها، والحرج
في إهمالها، قال شيخ الإسلام فيما أصله مباحاً لكن جعله بعض الناس مستحباً
أو واجباً: "المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحات، فأما إذا اتُخذت
واجبات أو مستحبات كان ذلك ديناً لم يشرعه الله... ولا دين إلا ما شرعه
الله، ولهذا عظم ذمّ الله في القرآن لمن شرع ديناً لم يأذن الله به... فهذا
أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به"، (مجموع الفتاوى، 11/ 450)، فإذا كان
هذا في المباح؛ فكيف بما أصله بدعة عن اليهود والنصارى؟!
سادساً: أن في الاحتفال به
موافقة لليهود والنصارى في أعيادهم، وهذا ما يخالف مقصود الشرع، حيث شرعت
لنا في الإسلام كثير من العبادات على وجه وكيفية قُصد بها من ضمن ما قصد
مخالفة الكفار، والبعد عن التشبه بهم، وموافقتهم؛ سواء في الوقت، أو في
المكان، أو في المناسبة، أو في الكيفية، أو في الجهة، وخذ مثلاً: تغيير
القبلة لمخالفة الكفار، وورد النهي عن اتخاذ الناقوس كالنصارى للإعلام بوقت
الصلاة .. وغير ذلك كثير. وفي موافقتهم واتباعهم فيما يبتدعون في الدين
خطر كبير، قال _تعالى_: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" [115:
سورة النساء].
قال أبو الحسن الآمدي في كتاب (عمدة الحاضر وكفاية
المسافر): "فصل: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود. نص عليه أحمد، واحتج
بقوله _تعالى_: "والذين لا يشهدون الزور"، قال : أعيادهم".
سابعاً: أنه عيد ليس له أصل
في شرعنا ولا في شرعهم، ولا نزل به أمر في كتاب من كتب الأنبياء _عليهم
السلام_، بل لم يؤثر عن أحد في كتاب لا في الصحيح ولا في الضعيف من
الأحاديث والروايات، قال شيخ الإسلام: "فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل
ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما
يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك"، (مهذب اقتضاء الصراط المستقيم، ص
178)، فإذا كان تقليـدهم فيما قد يكـون له أصـل في شرعهم منهي عنه بشدة،
فالنهي عما ليس له أصل بل هو من محض أهوائهم أشد وأعظم، قال _عز وجل_:
"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ
مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" [120: سورة البقرة]، قال ابن كثير - رحمه الله
تعالى-: "فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى، بعد
ما علموا من القرآن والسنّة، عياذاً بالله من ذلك، فإن الخطاب للرسول
والأمر لأمته" (تفسير ابن كثير، 1/ 163).
شريعة الإسلام أحسن الشرائع وأقومها:
ما أجمل شريعة الإسلام وما أقومها، ففي الإسلام لا نحتاج
إلى تلك الأعياد والأيام الغـربية وغيرها؛ لأن الله - سبحانه وتعالى -
أغنانا في شريعة الإسلام بما يلبي حاجاتنا كلها، وبين لنا كل ما نحتاج إليه
من أحكام، "وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ
هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [52: سورة الأعراف]، "وَإِنَّكَ
لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ" [6: سورة النمل]،
ولذلك لا تظهر لدينا تلك الأمراض والعلل التي تظهر في حياة الغرب، وما ظهر
لدينا منها فهو لغفلة بعضنا وحَيـْدته عن هدى الإسلام، وعلاجه يكون بتمسكنا
واعتصامنا بالكتاب والسنّة، لا باستيراد حلول من اليهود والنصارى، بل علاج
ما لديهم من أمراض لن يكون إلا بالالتزام بشريعة الإسلام لو آمنوا.
فالإسلام ينشئ المجتمعات ابتداءً على مراعاة الحقوق، مما
يمنع ظهور الأمراض الاجتماعية، وانظر إلى الأم كيف كرّمها الإسلام أحسن
تكريم فجعل البر بها والتذكير بحقوقها حقاً مشروعاً طوال السنة كلها، ومن
عدل الإسلام أنه لم يهدر حق الأب أو يهمله، لكنه – سبحانه - وزع الحقوق
بالعدل بينهما، قال – تعالى-: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا" [23: سورة الإسراء]، فهنا
ذكر الله _تعالى_ حق الوالدين معا، وهي آيات يحفظها كثير من عامة الناس،
ويستمعون إليها كل حين. أما نسبة حق الأم إلى حق الأب؛ فمن منا لا يعرف
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ
بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَال:َ "أُمُّكَ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:"
أُمُّكَ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " أُمُّكَ ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: " ثُمَّ أَبُوكَ "، أخرجه البخاري، رقم (5971)، وغيره كثير من
الأحاديث.
علاج هذه المشكلة:
لقد استفحل أمر هذا العيد، دعك من وسائل الإعلام، فقد صار
أمراً يراه الناس ديناً، حتى صار إنكاره تطرفاً وتشدداً، مما يستوجب
التنبيه والتذكير بشتى الوسائل؛ حتى تزول هذه البدعة وأشباهها من حياة
المسلمين، ويبقى لهم دينهم العظيم القائم على كتاب "لَا يَأْتِيهِ
الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ
حَكِيمٍ حَمِيدٍ" [42: سورة فصلت].
والعلاج يبدأ من بيوتنا، حيث يبين كل واحد، وخصوصاً في
المجتمعات التي ابتليت بهذه البدعة، بالرفق واللين لأمه وأهله كيف قدّر
الإسلام الأم وأعلى منزلتها بما لا تحتاج معه إلى غيره، وأن عيد الأم بدعة
ليست من الإسلام، وأنها من عمل غير المؤمنين، وفي تقليدهم شر وضلال، قال
_سبحانه_: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ
تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّـقُونَ" [153: سورة الأنعام].