التداوي بالأعشاب.. فوضى قاتلة
البقدونس يمنع تشوّه الأجنة، التمر يحارب السرطان، الزبيب وقمر الدين
يؤخران الشيخوخة.. عناوين لوصفات تتناولها وسائل الإعلام المختلفة، دون
مرجعية علمية، ونجد الناس يقبلون عليها إما للتجربة فربما تكون علاجًا
ناجحًا لأحد الأمراض المستعصية، أو لأنهم لا يملكون الحصول على العقاقير
الطبية، وفي نفس الوقت يرون أنها أعشاب لا ضرر منها إن لم تفد.
فوضى غير خلاقة يتجه الناس إليها بقوة هذه الأيام.
ولتوعية الجمهور بكيفية التعامل مع كل ما تتناوله وسائل الإعلام المختلفة
من وصفات عشبية لعلاج بعض الأمراض، خاصة مع تزايد الاتجاه العالمي والعربي
نحو العلاج بالأعشاب كأحد الخيارات العلاجية البديلة للأدوية الكيميائية.
جدل وفوضى
"الأعشاب هي الأصل في العلاج منذ بدء الخلق" حيث أن كثيرا من الأدوية التي تستخدم لعلاج بعض الأمراض، هي من أصل عشبي أو نباتي.
كما أحب أن أؤكد على أن الحجة العلمية هي الأساس في الأخذ بمصداقية الوصفات
العشبية، فأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله الدنيوية ليست تشريعًا،
واستشهد في ذلك بحديث "تأبير النخل" الذي يعتبر خير دليل على اعتراض أصحاب
النبي عليه في أمر من أمور الدنيا، ولم يستنكف خير خلق الله من أن يقر
بخطئه في هذا الأمر، بل إنه صلى الله عليه وسلم فضل أصحابه على نفسه في
أمور الدنيا فقال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
أن استخدام الأعشاب في التداوي لا يعتبر هو المشكلة، ولكن عشوائية
الاستخدام هو ما يثير الجدل ويحتاج إلى ضوابط حاكمة لتفادي العواقب الوخيمة
للاستخدام الفوضوي.
من الفائدة إلى السمية
الأعشاب يمكن أن تكون ضارة، بل وسامة في بعض الأحيان مع الاستخدام الخاطئ
أو غير المقنن، فعلى سبيل المثال مشروب النعناع، فتناوله بإفراط قد يؤدي
إلى ارتجاع في المريء، وبالتالي إلى قرح بالمعدة.
كذلك هناك شراب العرقسوس، حيث يحتوي على مادة شبيهة بمادة الألدوستيرون
"Aldosterone" وهو هرمون تفرزه الغدة الكظرية ويعمل على تخزين الأملاح داخل
الجسم، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وهبوط في ضربات القلب؛ لذا فهو يضر
بمريض القلب أو الضغط المرتفع مع استخدامه بشكل غير مقنن وغير واع.
"لا يجب أن نعرض أنفسنا وأسرنا إلى خطورة المبالغة في تناول الأعشاب"، حيث
"إن استخدام عشب معين بكمية كبيرة، تمامًا كمن يتناول دواء بجرعة زائدة".
ونؤكد على أن الأعشاب شأنها شأن أي دواء، لا بد أن تؤخذ تحت إشراف وبجرعات
محددة، فأي زيادة في جرعتها قد تسبب مشاكل وتأثيرات سلبية، بل وأحيانًا
تؤدي إلى الموت، كما أن خلط الأعشاب مع بعضها البعض قد لا يحمد عقباه،
فالتأثيرات تختلف من شخص لآخر على حسب حالته الصحية وتاريخه المرضي.
كما أن الطرق الخاطئة لتخزين الأعشاب والتي تؤدي إلى نمو بعض الفطريات
والسموم عليها، مثل فطر الأفلاتوكسن ""Aflatoxin الذي ينمو على بعض الأعشاب
عند تخزينها في بيئة رطبة، وله تأثير بالغ الخطورة على الكبد وباقي أعضاء
الجسم.
لذا يجب توعيه الجمهور ومنع توريث الأفكار الخاطئة عن تناول الأعشاب بين
الأسر، وعدم الأخذ بما هو مدون على علب الأعشاب من تأثيرات علاجية لعدم
دقته وصحته كذلك.
مثلا هل شرب الشاي مفيد أم ضار؟ فيوماً نقرأ في أحد الوسائل الإعلامية أنه مفيد، ويوماً تظهر له أضرار؟؟
نقول انه من الأفضل شرب الشاي دون غليانه، فالطريقة الصحيحة لتحضيره تكون
بوضع الماء المغلى على أوراق الشاي فقط، حتى لا تتركز مادة الكافيين
المنبهة للجهاز العصبي فيه، خاصة مع من يتناولون الشاي بمعدلات كبيرة.