المصرف العراقي للتجارة
ما كان لأحد من موظفي المصرف العراقي للتجارة ان يتوقع هذه الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء لمصرفهم. وفوجئوا بعد ذلك حين تم استدعاء كبار المسؤولين للإجتماع به !
وذهلوا وهم يستمعون اليه يقول : أقدر جهودكم في بناء هذه المؤسسة العظيمة التي تعد فخراً للعراق. وأنا أبارك هذا الإنجاز الكبير، غير أني سمعت أحاديث عن مخالفات قانونية مما اضطرني الى تشكيل لجنة من خبراء مصرفيين معروفين، إضافة الى هيئة النزاهة والشفافية ... وكانت النتيجة أن قدموا لي تقريراً يشير الى خلل كبير .. ولما كنت لا أفهم شيئاً عن اعمال المصارف لمعالجة هذا الخلل فقد احلت التقرير الى القضاء، فأعذروني إن لم اكن استطع ان ادافع عنكم. فالقانون يجب ان يسري على الجميع، وكل واحد منكم مسؤول عما فعل.
وما ان انهى السيد المالكي كلمته هذه حتى غادر المبنى وقد ودعه عند موقف سيارته مدير عام المصرف الذي صافحه بود متمنياً له التوفيق.
وبعد اقل من نصف ساعة على مغادرة السيد المالكي، سمع العاملون في المصرف جلبة .. ثم دخلت قوات (التدخل السريع) شاهرين السلاح طالبين من الموظفين والموظفات البقاء في اماكنهم. وراحوا يفتشون الغرف بحثاً عن شيء .. وتبين اخيراً انهم يبحثون عن المدير العام لغرض اعتقاله!
ولعل الغريب في الأمر ان المدير العام كان قد رافق رئيس الوزراء الى حيث سيارته وودعه، ولكنه لم يعد الى المبنى الرئيسي للمصرف حيث مكتبه، وتبين ان رئيس الوزراء قد جاء الى احد مباني المصرف وليس المبنى الرئيسي .. وانه انتظر طويلاً بعد ان اكتشف هذا الخطأ قبل ان يصل اليه مدير عام المصرف الذي استدعي وطلب منه الحضور على عجل !
ولعل الغريب، بعد ذلك، ان يتسرب خبر زيارة رئيس الوزراء الى قناة فضائية عراقية تعمل في الخارج وقد صورت تلك الزيارة وكأنها مداهمة يقودها رئيس الوزراء وترافقه قوة التدخل السريع لإلقاء القبض على المدير العام، وقد تركته يذهب من دون أن تأخذه معها ! ثم جاءت قوة أخرى تبحث عنه بعد ان تأكد لهم اختفاءه!!
والمثير للسخرية هو ان المالكي لم يلقي القبض على المدير العام بل تركه يهرب من بين يديه ليصل الى باريس امس الاول!!
سألت الموظف: بما تفسر هذا؟
فأجاب: المدير العام يحمل الجنسية الأمريكية، لهذا لا يجرؤ المالكي على اعتقاله لأنه يكون بذلك أهان دولته .. وللتخلص من المأزق فما ان غادر المالكي المبنى حتى أرسل الى المصرف عدداً من افراد حمايته لإلقاء القبض على (الأزري) المدير العام، وعندها يكون اعتذاره مقبولاً، أو هكذا تصور، حين يقول للأمريكيين بأنه على غير علم بما حدث!
وقال لي موظف آخر؛ هذه مسرحية، فالمصرف هذا عصب الحياة بالنسبة للدولة العراقية، ومن خلاله تتم جميع معاملات العراق التجارية او عقود الإستثمارات الأجنبية.. والمدير العام للمصرف، من خارج حزب الدعوة، فهو قريب للدكتور أحمد الجلبي الخصم الحالي للمالكي، وهو – المدير العام – مطلع على المخالفات المالية، وإدارته تجبر من قبل المالكي على عمليات غسل أموال .. أو دفع مبالغ بالمليارات عن عقود وهمية .. والمشكلة ان الجلبي يعرف بذلك، وهذا ما يخيف المالكي من ان يستغل الجلبي معلوماته تلك ويثيرها ضد المالكي . إذاً، والقول لهذا الموظف – هي حرب يخوضها المالكي للإستيلاء على ادارة المصرف وابعاد خصومه السياسيين عنه لتتم بعد ذلك وبسرية تامة عمليات تهريب أموال العراق من دون ان يلحظها أحد.
وذكر لي موظف ثالث قائلاً: يأخي، انهم يدمرون العراق – ويقصد هنا المالكي وجماعته – فسمعة المصارف مهمة، وفقدان الثقة به خسارة لن تعوض، وما دار خلال الزيارة المشؤومة وما اذيع عنها عبر احدى الفضائيات او العراقية بعد زيارة المالكي وما جرى فيها، قد أفقد المصرف الذي يتعامل بالمليارات لدى المصارف الأجنبيةالثقة به ، وهذه الثقة لن تعود والخاسر الأكبر هو الشعب العراقي. وأظن ان هذا لا يهم المالكي أو جماعته ..
واضاف: انه صراع على نهب ثروات العراق بين المالكي وخصومه السياسيين، فلا تصدق كل ما يقال! ثم ان المالكي قال في لقائه بموظفي المصرف انه قد اوكل معالجة الأمر الى القضاء، فلماذا جاء إذاً؟ وما الداعي لهذه الضجة التي اضرت بسمعة المصرف والتي ستلحق خسائر فادحة بالعراق؟ كان بالإمكان معالجة المخالفات عن طريق القضاء من دون هذه (الشوشرة).
وأضاف الموظف: إذا كان السيد المالكي قد أحال القضية الى القضاء فعلاً، فالذين جاءوا لإعتقال مدير عام المصرف لم يكن معهم أمراً قضائياً .. كيف حدث هذا؟
على أي حال، يقول موظف آخر، انها مهزلة لا توحي ان في العراق دولة تزعم انها (دولة القانون) بل مافيا شرسة لا حدود لإستهتارها بالقانون أو مصلحة الشعب العراقي.