من أوراق الفريق طاهر الحبّوش - 1 / مسعود البرزاني
كتابات - المحامي / سليمان الحكيم
ابدأ بالصفحة الأولى من أوراق الفريق طاهر الحبّوش والتي يتولى هو رواية أحداثها , وسوف تتضح فيها حقيقة العلاقة التي جمعت مسعود البرزاني وأسرته وحزبه بالنظام العراقي السابق وبرئيسه . والقصة تدعو للتأمل بكون الحقيقة لا تُدفن مهما تراكمت فوقها الأكاذيب وطال عليها الزمن، وأن لا شيء كالكذب وإنكار الفضل يحط من قدرالرجال وقيمتهم.
..............................
جرى آخر نزاع مسلّح على الموارد المالية بين الحزبين الكرديين في صيف 1996 , وقد استعان جلال الطالباني في معركته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني علناً بقوات تركية وسراً بقوات إيرانية وبذلك استولى على مدينة أربيل معقل مسعود البارزاني الذي هرب إلى الجبال وتشتت قواته وضاقت عليه الأرض ووجد نفسه بلا حليف فاستغاث بالرئيس صدام حسين الذي بادر يوم 31-8-1996 بإرسال كتيبة من القوات الخاصة مع لواء مدرّع من الجيش العراقي وهزم بيشمركة الطالباني وحلفائها الإيرانيين هزيمة منكرة واستردّ أربيل خلال ساعات وأعادها لسيطرة مسعود . ويومها غلب الحماس عليه فقال ممتدحاً الجيش العراقي أنه على ثقة من أن فوجاً منه قادر بشجاعته على مواجهة فرقة من الجيش التركي, وزاد بأنه مستعد ليوقّع على بياض على كل ما قد يطلبه منه الرئيس صدام !
بدأت علاقتي مع مسعود البرزاني سنة 2000 عندما توليت رئاسة جهاز المخابرات , وكان أحد واجباتي التنسيق مع الحزبين الكرديين في منطقة الحكم الذاتي . لم تنقطع زياراتنا المتبادلة وكنا نبحث فيها جميع الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية , وكانت علاقاتنا متينة وصافية لم يعكرها أي خلاف ولذلك تعددت لقاءاته و ابن شقيقه نيجرفان مع رئيس الجمهورية الذي كان حريصاً على تلبية كل طلباتهم , وذلك بعكس العلاقة مع جلال الطالباني الذي لم أزره في السليمانية إلا مرة واحدة , ويومها عتب عليّ نيجرفان البرزاني وقال لي أن مثل هذا الشخص لا يُزار لأنه كذاب وزيارتك له تعطيه حجماً أكبر مما يستحق .
وكان مسعود البرزاني يبدي لنا الإمتنان والولاء ويشيد في كل لقاء بالرئيس صدام حسين وبحبّه للأكراد وأيضا بالجيش العراقي الذي وقف معه – على حد قوله – في كل المواقف الصعبة . وفي آخر لقاء بيننا قبل الغزو الأميركي بأيام قال لي مسعود أنه إذا دخل الجيش التركي من الشمال فإن البيشمركة قادرة على صدّه , وطلب مني إبلاغ الرئيس صدام أن يسحب الجيش من المنطقة الشمالية ليسدّ العوز في مناطق أخرى من العراق , وقال لي أيضاً إنه إذا دخل معهم الأميركان فنحن نحتاج للجيش , وفي كل الأحوال أطمئنك إلى أننا سنقاتل الغزاة مهما كانت جنسيتهم لأن العراق عراقنا وسنقف مع الدولة في الأوقات الصعبة .
وذكر لي في أحد لقاءاتنا : " إن والدي ومنذ وقت مبكر قال لي أن صدام حسين رجل فلولاه لما حقق الأكراد مطالبهم , ولقد أحببته كثيراً منذ ذلك الوقت , هل ترى رعايته لنا ؟ أطال الله عمره " . وفي زيارته الأخيرة لبغداد كان على موعد للقاء الرئيس صدام حسين , وقبل توجهه إلى القصر الجمهوري قال لي : " يا سيادة الفريق سأبلغ الرئيس أن موضوع الفدرالية الذي نطرحه هو سقف عال , ولكننا نرضى بتطوير بسيط على قانون الحكم الذاتي الذي تحقق للأكراد بفضل السيد الرئيس , ونحن لا ننسى فضله الكبير على الأكراد " . ويومها اصطحبته بجولة مسائية حرة في شوارع بغداد وكنت أقود السيارة وهو إلى جانبي يحدثني عن حبه لبغداد وعن ذكرياته في حيّ الأعظمية الذي تلقى العلم في مدارسه .
كرر مسعود البرزاني مرتين عبارة " أشعر بأني عراقي لأول مرة في حياتي " , وكانت المرة الأولى عندما سُلّمت له أربيل بعد أن أخرجه منها جلال الطالباني , والمرة الثانية عندما قمت شخصياً بتسليمه نقطة سيطرة "باعذره" وهي منطقة تابعة لقضاء "شيخان" وكان في جنوبها سيطرة تابعة للجيش العراقي ؛ ولأسباب أمنية قررت لجنة شؤون الشمال التي كان يرأسها نائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان وتضم في عضويتها عدداً من الوزراء ورئيسيّ المجلس التشريعي والتنفيذي لمنطقة الحكم الذاتي ورؤساء الأجهزة الأمنية , أن تنقل تلك السيطرة إلى شمال المدينة لمسافة ألفي متر .
وفي اليوم التالي دخل أفراد من البيشمركة إلى منطقة تواجد الجيش كحركة احتجاج سلمية على نقل السيطرة , فتأزم الموضوع لكون الجيش لا يقبل بتواجد عناصر من خارج قطعاته بين صفوفه , وأوشكت لجنة شؤون الشمال ومعها القيادة العامة للقوات المسلحة معالجة الموضوع بالقوة في حال لم يخرج البيشمركة من بين قطعات الجيش معتبرة تصرفهم تمردا .
التقيت في اليوم التالي بنيجرفان البرزاني وكان منفعلا من ذلك الإجراء و متخوفا من حركة الجيش , فقلت له أنه ينبغي القياس على كبارالأمور وليس على صغارها , واستعرضت معه العديد من المكاسب الكبيرة التي حققها الأكراد وذكّرته بعملية التنسيق المثالية بيننا , ثم سألته عن قيمة نقطة عسكرية تجاه كل تلك الإيجابيات , فقال أن قيمتها لاشيء . فاقترحت عليه سحب البيشمركة وانتظاري ريثما ألتقي برئيس الجمهورية و أطلعه على التفاصيل وأزيد عليها بأنه قبل نهاية لقائي بنيجرفان فقد جرى سحب البيشمركة وانتهى الموضوع , و بذلك أثبت لكم موقفاً إيجابياً تحققون من خلاله ما هو أفضل لقابل الأيام , فوافق . وفي اليوم التالي التقيت بالرئيس صدام حسين وشرحت له الموضوع وأكدت له أن موقف الحزب الديمقراطي كان إيجابياً , فقال الرئيس : " انقل شكري لمسعود على هذا الموقف , وسوف يرجع الجيش إلى نقطة السيطرة السابقة تكريماً لهم " . وفي اليوم التالي توجهت إلى أربيل والتقيت مسعود ونيجرفان وأبلغتهما بنتيجة لقائي بالرئيس وشكره لهم , فقال مسعود " ارجو أن تبلغ السيد الرئيس حفظه الله أنه لو طلب أن يتواجد الجيش في دهوك فلا مانع لديّ بعد موقفه هذا الذي يضاف لمواقفه السابقة , ولو طلب مني مغادرة العراق فسوف أفعل , هذا أب يستحق منا كل التقدير والإحترام.................