ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر
ورد في السيرة لابن حبان:-
...ثم إن الله جل و علا أراد هدي عمر بن الخطاب،
و كان عمر من أشد قريش على رسول الله صلى الله عليه و سلم شغباً و أكثرهم للمسلمين أذى.
و كان السبب في إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت تحت سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل و كانت قد أسلمت و أسلم زوجها سعيد بن زيد و هم يستخفون بإسلامهم من عمر ،
و كان نعيم بن عبد الله بن النحام قد أسلم و كان يخفي إسلامه ،
و كان خباب بن لأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن ،
فخرج عمر يوماً متوشحاً بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذكر له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا و هم قريب من أربعين بين رجال و نساء و مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة و علي و أبو بكر في رجال من المسلمين ممن أقام مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة و لم يخرج إلى أرض الحبشة ،
فلقي نعيم بن النحام عمر بن الخطاب
فقال : أين تريد ؟
فقال: أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، و سفه أحلامها، و عاب دينها، و سب آلهتها فاقتله،
فقال له نعيم: و الله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر ! أترى أن عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض و قد قتلت محمداً !
أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم !
قال : و أي أهل بيتي ؟
فقال له:ابن عمك سعيد بن زيد وأختك ، فقد أسلما و بايعا محمداً على دينه ، فعليك بهما .
فرجع عمر عامداً لختنه و أخته و عندهما خباب بن الأرت و معه صحيفة فيها طه يقرئها إياهما ،
...فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم ، و أخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع حين دنا من البيت قراءتهما عليه،
فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟
قالا له : ما سمعت شيئاً ،
قال : بلى و الله ! لقد أخبرت أنكما بايعتما محمداً على دينه ،
و بطش بختنه سعيد بن زيد .
فقامت إليه فاطمة لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ،
فلما فعل ذلك قالت له أخته و ختنه :نعم ، قد أسلمنا و آمنا بالله و رسوله ، فاصنع ما بدا لك !
فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع ،
و قال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً انظر ما هذا الذي جاء به محمد ـ و كان عمر كاتباً ،
فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا لنخشاك عليها ،
قال : لا تخافي ـ و حلف لها بآلهته ليردها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه
فقالت له : يا أخي ! إنك نجس على شركك و إنه لا يمسها إلا المطهرون ، فقام عمر بن الخطاب فاغتسل ثم أعطته الصحيفة و فيها طه ، فلما قرأ سطراً منها
قال : ما أحسن هذا الكلام ! فلما سمع خباب ذلك خرج إليه
فقال له : يا عمر ! و الله لأرجو يكون خصك الله بدعوة نبيه صلى الله عليه و سلم فإني سمعته يقول اللهم ! أيد الإسلام بأبي الحكم بن هاشم أو بعمر بن الخطاب !
فقال له عمر: دلني عليه يا خباب حتى أتيه فأسلم ،
فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه ، فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما بلغ ضرب عليه الباب ، فلما سمع المسلمون صوته قام رجل فنظر من خلال الباب فرآه متوشحاً بالسيف
فقال حمزة بن عبد المطلب : ائذن له ، فإن كان يريد خيراً به لناله ، و إن كان يريد شراً قتلناه بسيفه ،
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ائذن له ،
فأذن له الرجل و نهض إليه صلى الله عليه و سلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته ثم جبذه جبذة عظيمة
و قال : ما جاء بك يا بن الخطاب ؟ و الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة !
فقال له عمر : يا رسول الله ! جئتك لأومن بالله و رسوله و بما جئت به من عند الله ،
قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه و سلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عمر أسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا عمر ! استره ،
فقال عمر : و الذي بعثك بالحق لأعلنته كما أعلنت الشرك .
فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك و قد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر و حمزة ، و عرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه و سلم
و لذلك كان يقول ابن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .