تسعى المدن في جميع أنحاء العالم إلى استضافة مناسبات ذات طابع دولي, وتحظى بالجماهيرية بهدف التعريف بالمدينة واستقطاب السياح وتحسين مدخولها وتطوير خدماتها، سواء في الجانب
تسعى المدن في جميع أنحاء العالم إلى استضافة مناسبات ذات طابع دولي, وتحظى بالجماهيرية بهدف التعريف بالمدينة واستقطاب السياح وتحسين مدخولها وتطوير خدماتها، سواء في الجانب الرياضي أو الاقتصادي أو الثقافي، وتحشد لذلك ميزانيات ضخمة وتعمل عليها سنوات طوالاً وتسعى إلى الدخول في منافسات مع مدن أخرى لكي تحظى بشرف الاستضافة. ولعل أظهر هذه المنافسات التي تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والصفقات بتبادل المنافع هي المسابقات الرياضية. فمنافسات استضافة كأس العالم والألعاب الأولمبية تحظى باهتمام إعلامي وشعبي عالمي يتابعها الناس ويتحول الترشيح والاختيار نفسه إلى حدث بحد ذاته، وبمجرد الاختيار ينقلب حال المدينة رأساً على عقب وتبدأ الاستعدادات والتحضيرات في سبيل تقديم المبهر والمتفوق والأحدث، بحيث نستطيع أن نقارن المدينة قبل المناسبة والمدينة بعدها، فمدن مثل سولت ليك سيتي الأمريكية وبكين وجوهانسبرج تغيرت كثيراً بسبب الألعاب الأولمبية أو كأس العالم، ومدريد وشانغهاي تغيرتا كثيراً بعد معرض إكسبو.
غير أن ما يعنينا هنا هو ظاهرة العواصم الثقافية التي أطلقت فكرتها في المؤتمر العالمي للسياسات الثقافية الذي أقامته الأمم المتحدة في المكسيك عام 1982م، وأقر فيه برنامج العقد العالمي للتنمية الثقافية داعياً في فلسفته إلى ضرورة إجراء حوار ثقافي بين الشعوب يحترم مقومات الهوية الثقافية الوطنية ويراعي التنوع بين الحضارات على أساس وحدة القيم الجوهرية الإنسانية. وتم في باريس اعتماد برنامج العواصم الثقافية الإقليمية عام 1994م، وتبنت المجموعة العربية في اليونسكو عام 1995م مشروع إطلاق عاصمة ثقافية عربية، كما تبنى المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة المنعقد في الدوحة عام 2001م اعتماد مشروع برنامج العواصم الثقافية الإسلامية, ومن يومها تحتفل هذه العواصم الثقافية بحسب الجدول الذي وضع لها وتتفاعل فيها النشاطات والفعاليات الثقافية التي تتراوح من حيث العدد والنوع والتغطية الإعلامية بحسب الخطط والبرامج والرؤية والإمكانات المادية.
غير أن ما يلاحظ على العواصم العربية والإسلامية هو أنها وبنهاية العام الميلادي ينفض السامر ويعود كل شيء إلى ما كان عليه مشابهاً لأسواق العرب من الجاهلية إلى الأمس القريب حيث ينتهي السوق ويجمع الناس أغراضهم ويرحلون وتعود الأرض خراباً بلقعاً.
لا نستطيع أن نقارن العاصمة الثقافية العربية أو الإسلامية قبل وبعد الاحتفالية؛ لأنه لا تغيير جوهرياً فيها إلا في نماذج نادرة، بينما نجد التغيير واضحاً في المناسبات الرياضية والاقتصادية. وهذا يؤكد أن الثقافة لم تصل بعد إلى أن تكون مشروعاً وطنياً إستراتيجياً للأجيال تحتشد لها الأمة وتنفق عليها الميزانيات؛ وإنما نكتفي فيها بالتجميع وقرع الطبول وعزف المزامر ثم تتلاشى هذه الذبذبات الصوتية في الأفق الممتد