صلاح سليمان -اعلامي مقيم في المانيا
بيل غيتس عبقري منذ نشأته، إستطاع بعقلة ونبوغه وحسن التفكير والإبداع أن يحدث ثورة في عالم الكمبيوتر والعالم الرقمي لاحدود لها ولا سابق عليها، أهلته هذه العبقرية لأن يكون أغنى رجل في العالم ـ أو علي الأقل من أغنى الأغنياء، هكذا أسس بيل غيتس شركة مايكروسوفت، التي استطاع بواسطة إنتاجها لبرامج الحاسوب من أن يتواجد في كل منزل ومكتب وشركة.
هو رجل مبدع يعمل بعقله وليس بقدمه كلاعب كرة، ولا بجسمه كمصارع أو ممثل، ولا بجيبه كالمترفين الذين هطلت عليهم الثروات دون جد أو اجتهاد .. لذلك قرر بل غيتس مع بلوغه الخامسة والخمسين من العمر أن يترك إدارة شركته مايكروسوفت ويتفرغ تفرغا كاملا لمؤسسته الخيرية التي اسسها مع زوجته في عام 2000 وتحمل الاسم الأول لكل منهما 'بيل وميليندا' ويبلغ رأس مالها 37.3 مليار دولار، وهي معنية بمساعدة المرضى والكفاح ضد مرض الإيدز والملاريا والسل بصفة خاصة ـ وتعمل المؤسسة أيضا ضد الفقر والجوع في كل انحاء العالم، وهي المؤسسة الخاصة الأضخم التي تعمل في هذا المجال.
وقفة تأمل في نقلة هذا الرجل من الأعمال والبيزنس الي أعمال الخير التي يحتاج اليها الكثيرون من أبناء البشر خاصة في دول العالم الثالث ودولنا العربية تحديدا، إن عقد مقارنة بسيطة بينه وبين من يسيطرون على الأموال الطائلة في بلادنا نجده فرقا شاسعا جدا ..هو اخرج فكرة من رأسه أفادت العالم بأسره وجعلت الإنسان في قلب الحدث والأحداث يتطور بسرعة فائقة بمساعدة الحاسوب، لا يستطيع ان يتخلى عنه ولا عن كل ما تبعه من إفادات ساعدت في معرفة ورقي البشر، أما أكثر مليونيرات العرب فلم يخرجوا لنا إلا بالأفكار المجرمة والإتجار في قوت المواطنين والمساكين ولم يكفهم الإفقار ونشر الفساد الذي تعاني منه معظم البلاد العربية، انما راحوا يزحفون للإقتراب من السلطة عاقدين حالة فريدة من التزاوج بين السلطة والمال. أنظر الى حالة مصر كمثال، وهو الأمر الذي آل الى تضخيم ثروتهم ومن ثم انتشار الفساد والإفساد في كل أرجاء مصر وانتهي بهم الأمر الى الاستحواذ الكامل على كل كراسي مجلس الشعب المصري في الإنتخابات الأخيرة لافظين المعارضة قاضين على بقايا ديمقراطية كسيحة أتت بها انتخابات 2005.
لأن بيل غيتس عبقري وسلاحه في عقله راح لا يسعى الى انتخابات المجالس النيابية ولا الى السلطة التي يمكن أن تحمي أعماله وتغطي احتكاراته وتمنح مصانعه وشركاته الأولوية والسبق كما يحدث عندنا، لكنه أدار ظهره الي هكذا ثروة ومال مكتفيا بما حقق وبما نال، وراح يبحث عن المساكين وفقراء خلق الله في العالم ليمد يده إليهم متسلحا بـ 37 مليار دولار، غير راغب في منصب حكومي ولا رئاسي ..يريد فقط أن يساعد ويخدم المرضى والمساكين .
اماعندنا ورغم تمتعهم بملايين الملايين ومليارات المليارات فماذا فعلوا؟ لم يكتفوا بعد! لا شيء يهمهم غير تأسيس امبراطوريات الفساد الكبرى، يجمعون كل شيء في ايديهم وأي شيء مستغلين المناخ المساعد لهم في جوانب السلطة المختلفة! تجدهم يبحثون عن المناصب السياسية.. والأمنية .. والإعلامية .. والتجارية وكل شيء.. وأي شيء ـ جمعوا حولهم الأرزقية وأصحاب النفوس الضعيفة والمنافقين وتدهور حال الناس والعباد وفتكت بهم الأمراض، ولم نسمع عن مؤسسة واحدة تهتم بشيء واحد وواحد فقط مثل مرض الكبد الوبائي الذي يفتك بأكباد المصريين لكن فقط نسمع عن المؤسسات الضخمة كمؤسسات أسياخ الحديد او السيراميك في وما عداها وما تلاها .
السؤال الآن: لماذا لم يكتف الحيتان بما جمعوه من ثروات؟ لماذا لم يفعلوا كما فعل بيل غيتس؟ لماذا لم يتوقفوا عن التشبث بالإستغلال والقفز علي أعناق الناس فترة حياتهم؟ رغم أن الخروج من تلك الحياة يكون بلا أموال ولا ثروات .
الوطن في حاجة الى ريادة عاجلة من المفكرين والمثقفين والعلماء وأصحاب المكانة الفكرية المتألقة، نحن في حاجة الى من يقوم بإحلال ثقافة البيزنس والفساد بثقافة متأصلة تعمل على بعث نهضة فكرية ثقافية تجعل العقل يعمل ويفكر بشكل صحيح لا أن يبقى أسير البيزنس وجمع المال على حساب الفقراء، نحن في حاجة الى بيل غيتس العربي فهل يتحقق هذا الحلم يوما ما؟