يقول التونسيون ان امرأتين أفضتا الى سقوط الرئيس زين العابدين بن علي، الطاغية الذي سيطر على تونس 23 سنة. الاولى شرطية بسيطة، صفعت محمد بو عزيزي وصادرت ملكه. بو عزيزي وهو حانوتي في السادسة والعشرين، وإذ أحس بأنه مهان وغاضب وبلا أمل، أحرق نفسه، وضحى بحياته، وبدأ الثورة التلقائية التي أسقطت نظام الحكم. والمرأة الثانية، وهي رمز الفساد وغرض كراهية التونسيين، هي ليلى بن علي، زوجة الرئيس المعزول.
سموها 'حاكمة قرطاجة'. وهي المرأة التي قادت 'العائلة'، و'المافيا'، ومتولية السلطة التي ظلمت تونس سنين. هي ابنة خضري، بلا ثقافة رسمية، ومزينة في ماضيها، علت لتصبح وريثة محتملة لكرسي الحكم. إن ليلى بن علي، التي كانت في الماضي ليلى طرابلسي، جعلت نفسها نسوية ليبرالية، وانسانية تعمل بالصدقة. ومن وقف في طريقها تبين له انها هي تونس. ولدت ليلى طرابلسي في العشرين من تموز (يوليو) 1957 لعائلة خضريين بسيطة. بعد أن أنهت المدرسة الابتدائية، سُجلت لمدرسة حلاقة وبدأت تعمل بالمهنة. وفي سن الثامنة عشرة عرفت رجل الاعمال خليل مواعوي وتزوجته. دام الزواج ثلاث سنين فقط وتطلقا بعدها. بفضل علاقاتها بزوجها دخلت عالم الاعمال والتجارة وبدأت تستورد سلعا من ايطاليا. بعد ذلك اتصلت بجهات حاكمة ضئيلة الشأن وبدأت تعمل سكرتيرة في احدى الشركات الحكومية في تونس. وقد عرفت عن طريق العلاقات الجديدة كما يبدو، زين العابدين بن علي الذي كان آنذاك مسؤولا كبيرا في نظام حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. طلّق بن علي زوجته الاولى نعيمة، وتزوج ليلى. وولد للزوجين ثلاثة اولاد: نسرين وحليمة ومحمد. بعد أن أطاح بن علي ببورقيبة وعيّن نفسه رئيسا في سنة 1987، بدأت ليلى في بطء وعلى نحو أساسي، تشق طريقها نحو مراكز القوة. وعُين أفراد عائلتها القريبة 'الطرابلسيون'، كما يسميهم سكان تونس في مناصب رئيسية في السياسة والقطاع الخاص. وقد موضعت ليلى نفسها باعتبارها سياسية عربية ليبرالية ذات آراء نسوية. وقد انتخبت في سنة 2009 لرئاسة منظمة النساء العربيات التي جعلت هدفها تقديم حقوق المرأة العربية. 'منذ تم انشاء منظمة النساء العربيات قادتها النساء الأول في الدول العربية'، قالت ليلى، 'سأبذل جميع الجهود لأمضي في الطريق نفسها ولأحرز المساواة بين النساء العربيات والرجال، في الحياة العامة وفي الانتخابات السياسية ولاحراز أحلامهن'. الى جانب ذلك انشأت سلسلة منظمات صدقة في تونس لمساعدة المرضى والمحتاجين. لكن ليلى من وراء ستار نبشت في كل واحد من مجالات الحياة في الدولة.
بن علي مريض
في سنة 2006، وقد سبقت ذلك تقارير عن تدهور الوضع الصحي للرئيس بن علي، حاولت السفارة الامريكية ان تُقدر من هم الورثة المحتملون. وقد عُرضت ليلى على أنها واحدة من المرشحين الثلاثة المتقدمين الى جانب وزير الدفاع ورئيس الحكومة. والى جانب نقاط قوتها عرضت السفارة ايضا نقطة الضعف الكبيرة لزوجة الرئيس وهي عدم التأييد الجماهيري.
'توجد اشاعات كثيرة عن المطامح السياسية لليلى بن علي'، كُتب في برقية أُرسلت من السفارة الامريكية في تونس وتم تسريبها مؤخرا عن طريق موقع 'ويكيليكس'، 'لكن أكثر المراقبين يعتقدون انه ليس لها تأييد كاف بين الجمهور التونسي. مع ذلك لا يمكن استبعادها باعتبارها وريثة محتملة، ولا سيما في ضوء حقيقة انها مشاركة، على نحو جزئي على الأقل، في تعيينات كثيرة. هذه الاشاعات صحيحة لان لها طائفة كبيرة من الحلفاء في المجتمع التونسي سيؤيدونها حتى لو لم يكن لها تأييد عام'. في شهر تموز (يوليو) 2009 أُرسلت برقية اخرى من السفارة في تونس، تنبأت بأحداث الايام الاخيرة. 'فقد بن علي ونظام حكمه الصلة بالشعب التونسي'، زعم السفير الامريكي روبرت غوديك. 'انهم غير مستعدين لقبول نصيحة أو انتقاد في الداخل أو في الخارج. وأصبحوا أكثر اعتمادا على الشرطة لحماية قوتهم. أخذ الفساد داخل دائرة الرئيس الداخلية يزداد. والتونسي من العامة ايضا عالم بهذا وجوقة الشكاية في ازدياد'.
لفت الدبلوماسي الامريكي الرفيع المستوى الانتباه مرة اخرى الى زوجة الرئيس. 'إن التونسيين لا يودون بل انهم يكرهون السيدة الاولى ليلى طرابلسي وأبناء عائلتها'، زعم. 'في احاديث خاصة يسخر معارضو نظام الحكم منها. ويعبر اولئك المقربون من نظام الحكم ايضا عن عدم رضى عن سلوكها. في مقابل ذلك يزداد الغضب بسبب نسب البطالة وعدم المساواة. ومن نتيجة ذلك ان الأخطار على استقرار نظام الحكم في ازدياد'.
النزاع مع سهى
في اثناء أحداث الشغب الاخيرة التي أسقطت بن علي، ما كان يمكن ألا نشعر بمبلغ الغضب والكراهية لليلى وعائلة الطرابلسي. 'لا، لا للطرابلسيين الذين نهبوا خزانة الدولة'، صاح المتظاهرون. ومن مزيد السخرية ان جزءاً كبيرا من الجمهور التونسي لا يزالون يعطفون على الطاغية المعزول ويزعمون انه في الحاصل العام فتى لطيف جُرّ وراء شَرَه ِ زوجته وعائلتها.
في حزيران (يونيو) 2008 أرسلت السفارة الامريكية في تونس برقية اخرى، مفصلة مزعزعة عنوانها 'الفساد في تونس: ما لك لي'. تناولت البرقية مبلغ الفساد والشره الذي تفشى في القيادة الحاكمة، ولا سيما عند ليلى بن علي وأبناء عائلتها الأقرباء. 'عائلة بن علي الموسعة هي مفرق الفساد التونسي'، كُتب في البرقية. 'يُسمون (العائلة)، وينظرون اليهم نظرهم الى نوع من المافيا'.
كان أحد الاعمال الحبيبة الى ليلى بناء شبكة مدارس دولية فخمة للنخبة التونسية. تروي احدى القصص انها حصلت على ارض هدية من السلطة، الى جانب منحة مليون ونصف مليون دولار لانشائها. مقابل بناء المدارس أجازت الحكومة اعمال بنى تحتية وتطويرا واسعا لمحيط المدرسة. بعد إتمام البناء مباشرة، باعت ليلى مستثمرين بلجيكيين المدرسة مقابل مبلغ كبير لم يُنشر قط. إن حقيقة انها لم تستثمر دولارا واحدا في الانشاء جعلت هذا المشروع مربحا على نحو خاص لها.
وفي حادثة اخرى حاولت السلطة فرض ضرائب بأثر رجعي على المدرسة الامريكية في تونس. والتقدير ان هذا الاجراء بدأ في أعقاب ضغوط من قبل 'اصدقاء' لـ 'المدرسة الدولية في قرطاجة'. كان تقدير السفارة ان ليلى بن علي التي انشأت المدرسة المنافسة، كانت مشاركة في الاجراء الذي أفضى الى تهديد امريكي بالمس بالعلاقات بين الدولتين. جربت سهى عرفات ايضا، أرملة ياسر عرفات، على جلدها ان البحث العميق جدا في اشغال ليلى التربوية لا ينتهي الى نهاية حسنة. فبعد موت ياسر عرفات، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، تركت سهى عرفات اراضي السلطة الفلسطينية مع ابنتها زهوة. وفي سنة 2006 حصلت سهى على جنسية تونسية واقتربت جدا من ليلى والرئيس. لكن بعد سنة، في آب (أغسطس) 2006، نشرت السلطات اعلانا رسميا قصيرا ورد فيه ان سهى سُلبت جنسيتها. وبعد ذلك بشهرين حادثت سهى بالهاتف السفير الامريكي وقالت له إن القرار تم باعتباره خطوة انتقام وعداوة شخصية من قبل ليلى زوجة الرئيس. انشأت الاثنتان سهى وليلى في تونس مدرسة خاصة فخمة لأبناء أثرياء الدولة لكن نشأ صراع بينهما سريعا. تزعم سهى ان ذلك نبع من فساد ليلى، التي أمرت باغلاق المدرسة الخاصة المنافسة. وعندما نبهتها سهى الى ذلك، اهتمت ليلى بطردها وسلبها جنسيتها. 'لست قادرة على تصديق ما فعلت بي'، قالت سهى، 'خسرت كل شيء'. وقد قالت ان أملاكها ومدخراتها صودرت كلها، بتزييف الوثائق ايضا. وتضيف البرقية الامريكية ان سهى بحسب الاشاعات في الدولة خسرت 2.5 مليون يورو في الاستثمار في المدرسة الخاصة. وقالت انه استُعمل ضغط على مصرفيّيها وعلى رفاقها ايضا. وقالت 'كل من دعمني عوقب'.
بوظة من سان ــــ تروبيز
لم يبق الفساد كما قلنا آنفا عند الرئيس وزوجته فقط بل انتقل الى أبناء العائلة ايضا. 'زوجة بن علي ليلى، وأبناء عائلتها 'الطرابلسيون' يثيرون أكبر الغضب'، ورد في البرقية. 'الى جانب الاتهامات الكثيرة لهم بالفساد، زُعم انهم بلا ثقافة وأصحاب مكانة اجتماعية منخفضة وعادات استهلاك ريائية. والى ذلك يزعم التونسيون ان حيل تخويفهم والطريقة الفاضحة التي يستغلون بها الطريقة تجعلهم هدفا سهلا للكراهية'.
يُعد بلحسن الطرابلسي، شقيق ليلى البكر، أحد الاشخاص الأكثر فسادا في الدولة. فقد كان مشاركا في سلسلة اعمال فساد، ورشوة وابتزاز، الى جانب سيطرته على ما لا يُحصى من الشركات والاعمال. امتلك بلحسن شركة طيران، وشبكة فنادق، ومحطة راديو، ومصنعا لانتاج قطع السيارات، وامتياز استيراد سيارات فورد وشركة عقارات. ولم يُجهد ساهر المطري، زوج نسرين ابنة ليلى وزين العابدين، نفسه في اخفاء حبه للحياة المترفة. فقد عاد السفير الامريكي الذي التقى المطري الذي يُعد واحدا من أثرياء تونس، على عشاء، عاد دهشا. فقد روى السفير أن المطري أجهد نفسه في الإتيان ببوظة من سان تروبيز مباشرة بالطائرة. وتجول نمر في قفص كبير أُقيم في ساحة الفيلا.
لكن احدى الذرى التي أثبتت مبلغ كون أقرباء عائلة ليلى بلا زمام وقعت في سنة 2006. فقد رأى معاذ وعماد الطرابلسي ابنا شقيق ليلى، قاربا مذهلا في أحد موانىء تونس. وقد اهتم الاثنان اللذان اشتهيا القارب بسرقته وصبغه من جديد. ولسوء حظهما كان القارب المسروق لرجل الاعمال الفرنسي برونو روجيه الذي استعمل علاقاته في باريس. أُعيد القارب سريعا ونشر الانتربول أمر اعتقال دولي لهما.
انتهت المرحلة الحالية في حياة ليلى بن علي يوم السبت الماضي مع انهيار نظام الحكم. استطاعت ليلى نفسها الهرب قبل زوجها الذي وجد ملاذا في السعودية، بأيام معدودات.
والتقدير ان ليلى نفسها مختبئة في دبي التي تعرفها جيدا من رحلات تسوق تظاهرية في الماضي. انتشرت موجة اشاعات مع مغادرتها وفيها زعم ـ أُنكر رسميا ـ انها أخذت معها طنا ونصف طن من الذهب. في مقابل ذلك بدأت اجراءات رسمية لتجميد حساباتها المصرفية في دول مختلفة في العالم. مع ذلك يمكن بعد أكثر من عقدي فساد تخمين ان الحياة المترفة للسيدة الاولى في الماضي لن تنقضي في ليلة واحدة
[img][/img]