شجرة الميلاد
أقل ما يمكن ان يقال عن احتفال السودانيين برأس السنة الميلادية الجديدة واعياد الاستقلال هذا العام، انه نادر، اذا ان مشاعر الفرح والأسى امتزجت، بعد ان أضحى انفصال الجنوب مسألة وقت عند اجراء استفتاء تبقت له تسعة أيام.
وبذلت سلطات ولاية الخرطوم محاولات مضنية لازالة اثار احباط ينتظر سريانه وسط قطاعات واسعة جراء فقدان البلاد لربع مساحتها تقريبا عقب استفتاء شعب جنوب السودان على خياري الوحدة أو الانفصال.
وعلى نحو لافت هذا العام تم نصب اعداد كبيرة من الخيام على طول شارع النيل بالخرطوم للاحتفال باعياد الاستقلال، الذي يعتبره الكثيرون بانه الاخير لسودان موحد، بعد ان يذهب الجنوبيون لصناديق الاقتراع في التاسع من يناير للادلاء لصالح تكوين دولة جديدة بالجنوب، على الأرجح.
وكان مساعد الرئيس نافع علي نافع ، افاد في خطاب خلال شهر ديسمبر، ان «انفصال الجنوب بات أمراً راجحاً جداً جداً».
وتتباين مشاعر السودانيين اليوم وهم يستقبلون الذكرى الـ 55 للاستقلال، ما بين «عشم» الوحدويين شمالا وجنوبا في بقاء بلادهم موحدة، وانتظار الانفصاليين اعلان دولة الجنوب لانطلاق اعياد افراحهم.
ومنعت الحكومة الاسبوع الماضي منبر السلام العادل الذي يبشر بانفصال الجنوب في الشمال، من تنظيم تظاهرة سلمية بالخرطوم تدعو للتخلص من تركة الجنوب الثقيلة، بحسب رأيهم.
لكن اخرين في الشمال يرون ان احتفال هذا العام أتى والغصة تسد حلوقهم. ويقول محمد يوسف «مهندس معماري» ان أكثر ما يقلقه عدم قدرته على تخيل شكل الخارطة الجديدة للسودان بعد الانفصال، بعد أن اعتاد عليها منذ ان كان يافعا في مراحله الدراسية الاولى.
واعلنت سلطات ولاية الخرطوم اجراءات للاحتفال قرئت على انها محاولات لتخفيف حدة الصدمة والاحباط جراء اعلان انفصال الجنوب المتوقع خلال ايام.
ولأول مرة تعلن السلطات نقلها المحتفلين برأس السنة مساء امس مجانا على متن الحافلات الجديدة لشركة الخرطوم للمواصلات، قبل ان تعلن سماحها للحفلات والانشطة بالاستمرار حتى الساعة الواحدة والنصف بدلا عن الساعة الحادية عشرة ليلا.
كما انتهت امس الاول سلسلة من الحفلات المفتوحة غنى فيها كبار الفنانين بساحة المتحف القومي على شارع النيل.
وارتفعت اعلام السودان في كل مرافق الحكومة والشوارع الرئيسية، بجانب انوار الزينة التي غطت اغلب جدران العاصمة الخرطوم ومحلياتها السبع.
ونزل الي شوارع الخرطوم الالاف من السكان، غلب عليهم الشباب من الجنسين، وتوزعوا بين شارع النيل وشارع افريقيا «المطار» ، وكانت اعداد كبيرة منهم تتابع حفلات غنائية احياها الفنانون بمختلف اجيالهم في نوادي العاصمة، حيث تراوحت تذاكر الدخول بين 300 جنيه كحد اقصي للفرد بالفنادق الكبري و10 جنيهات ادناها لحضور حفل مجموعة عقد الجلاد.
وشهدت الطرقات ازدحاما مروريا لافتا، وعلت ابواق السيارات واطلق المحتفلون ذخات كبيرة من الالعاب النارية مع دقات الساعة 12.
ولم تغلق محال بيع الهدايا والورود ابوابها حتي ساعات الصباح الاولي وشهدت ارتفاعا ملحوظا في مبيعاتها وخلت جل محلات الليموزين من السيارات، حيث افاد محمد عثمان احد العاملين بمعارض السيارات في شارع الموردة امدرمان قائلا «لا نملك الان سيارة واحدة كل ما عندنا تم استئجاره قبل 72 ساعة».
ولم يمنع انخفاض درجات الحرارة الكثيرين من التراشق بالمياه، تعبيرا عن فرحهم ،فيما انتشرت مجموعات كبيرة من قوات الشرطة.
وشهدت مستشفيات العاصمة طوال امس والساعات الاولي من اليوم حركة عادية
ورصد عدد من الاجانب في الطرقات يحتفلون بدورهم بمقدم العام الجديد.
وقال مواطنون لـ«الصحافة»: «نحتفل اليوم واعيننا علي التاسع من يناير.. نحن محبطون لكن هذا العام لن ينسى فهو على ما يبدو الاخير للسودان موحدا».
ويبدو ان العام المنصرم سيكون بمثابة الاخير للقب طالما افتخر به السودانيون عندما يقولون عن كبر بلادهم «ارض المليون ميل مربع».