حياة الحويك عطية:
اليوم العراق وغدا السعودية ، اما مصر فهديتنا الكبرى . هكذا عنونت معاريف غداة احتلال العراق ، وكما جاء اعدام صدام حسين مغلفا بورق عيد الاضحى ، ها هي دماء المصريين تلون ورق راس السنة طالما ان الاحمر رمز اسبوع الميلاد . واذ اقول دماء المصريين ، فليس من باب التعميم وانما الدقة ، لان ما حصل في الاسكندرية لا يستهدف الاقباط والمسيحيين بل يستهدف مصر كلها، مصر في وحدتها ومصر في مصيرها ومصر في موقعها كدولة عربية كبرى . فقدر هذا العالم العربي ، في المخطط الاسرائيلي الاميركي ، الا تظل فيه دولة كبرى ، لا ولا كبيرة ، مطلوب ان تتحول كل الدول " الماكرو " الى دول " ميكرو " للاضعاف اولا ، ولكي لا يظل من دولة اكبر من اسرائيل ثانيا ، وكي يتم استئصال اية فرصة تحول في المستقبل ثالثا . ذاك ان الرهان الصهيوني ليس على الحاضر المزروع بانظمة تحميه بقدر ما تحمي نفسها ، وانما على مستقبل قد يشهد تحولات لا يمكن لاحد التكهن بمضمونها ، والمطلوب من باب التحوط لهذه التحولات الا تكون هناك كيانات سياسية بحجم الدولة ، بمقومات السيادة قادرة على احتضانها . فماذا سيفعل عبد الناصر جديد اذا ولد في دولة من مئتي الف مواطن ، او صلاح الدين جديد اذا ولد في دولة لا تجيش اكثر من عشرين الف رجل ؟ اين هي عناصر السيادة التي يتمكن من التحرك ضمنها واولها الشعب = الحجم ومن ثم التاريخ والجغرافيا ؟ ماذا سيفعل اي قائد اذا ما كان اطاره تجمع طائفي محدود او تجمع عرقي محدود ؟ ماذا سيفعل اذا كان مبرر وجوده التجزئة الدينية ، المحاصصة الطائفية ، او الانعزالية الاتنية ؟ وبالتالي في دولة لا تملك ان تكون دولة اقتراح قومي ؟ هذا عدا عن سؤال مركزي اخر وسابق : ماذا سيفعل اذا ولد مقمطا بالديون والعجز وغياب الامن الغذائي ؟ منطق انشاء الدول ومناطق الحكم الذاتي والكونفدراليات على اساس ديني اتني ، هو المنطق الوحيد الذي يبرر المنطق الصهيوني الذي تبني عليه اسرائيل مشروعيتها ، وهو المنطق الوحيد الذي يؤمن بقاء قنبلة التدمير الذاتي جاهزة وابدية تتجدد كلما فجرت وتشحن اكثر فاكثر . منطق غياب مفهوم المواطنة وغياب احساس الامن لدى المواطن هو الوحيد القادر على شطب الانتماء للبلد ، بل وحتى الرغبة في البقاء فيه او الحفاظ على وحدته . بعد العراق مصر ، ولكن ما قبل الاثنين لبنان والصومال واليمن و.. و...والاهم منها كلها السودان ، لان السودان هي امتداد مصر ، مملكة وادي النيل ،ولا يمكن لما يحصل في السودان الا يمتد ليشمل مصر ن كما هو الحال بين سوريا ولبنان ، على سبيل المثال . وهنا يبرز السؤال الخطير : اين كانت مصر الرسمية مما يحصل في السودان منذ سنوات ؟ واين كانت مصر من ضرورة انتهاج اصلاحات داخلية قبل وصول الامور الى الانفجار ؟ مصر الضائعة في دوامة التوريث ، مصر المكبلة باغلال كامب ديفيد ، مصر المتلوية جوعا او تخمة ، تظل الدولة الكبرى ، والدولة المفتاح ، لكنها لن تعود كذلك متى تفجرت في داخلها الغام الطائفية والعرقية ، مضافة الى سائر الازمات التي تجاوزت قدرة المواطن على التحمل . واذا كنا ، قد فقدنا بسقوط العراق الجدار الاستنادي لهذه الامة ، فاننا سنفقد مع – وحدة مصر – لا سمح الله ، ساحة حضور سياسي لنا بين دول العالم ، ومنصة اطلاق اقتراح تغييري حقيقي ، وتبقى سوريا وحيدة في ساحة مواجهة مشرقية هجرها ناسها وتهدمت جدرانها ولعبت فيها الرياح . اما السعودية ، التي وضعتها معاريف في الرتبة الثانية ، فقد تكون نجحت في التراجع الى مرتبة اقل ، ذاك ان الرهان فيها كان على التفجير السني الشيعي وهذا ما افشلته تركيا وايران ، بحكم مصالحهما ، ولكن لا ندري الى متى . وان كنا نلمس بواقعية انه لم يؤد الى الحاقنا اما بالاولى واما بالثانية في غياب عربي سيصبح رهيبا ، اذا ما نجح المخطط المرسوم لمصر . اما المسؤول ، فالجميع : الحكومة المصرية اولا ، السلفيون ثانيا ، الاقباط انفسهم ثالثا ن والعرب كلهم رابعا . اما اسرائيل ودول العالم فهي تعمل لاجل مصالحها ، والمسؤولية على من يجعل الارض ممهدة للاستجابة لمقتضيات هذه المصالح ، خاصة وان المخططات معروفة منذ عقود ولم يفتا المخلصون ينبهون لها ولا من يسمع ن وان كان هناك من يسمع فليس هناك من يتحرك .